عرض المقال
صراع العلم والإيدز
2013-03-04 الأثنين
شفاء طفلة أمريكية عمرها سنتان ونصف السنة من الإيدز لم يكن خبراً عادياً، بل هو انتصار علمى جبار احتل مانشيتات الصحف ونشرات الأخبار بجدارة لأنه خطوة علمية هائلة مثلها مثل خطوة أرمسترونج على سطح القمر، ولأنه ليس مجرد شفاء طفلة ولكنه شفاء لعقول مريضة تشمت دائماً فى العلم وتراهن على عجزه وتقامر بعقلها على مائدة الخرافة تحقيقاً لمصلحة خاصة فى جعل الشعوب مغيبة فى غياهب الجهل وكهوف الظلام ليسهل قيادها كالقطيع، الحرب الدائرة بين الأطباء والإيدز منذ يونيو 1981 وهو تاريخ تسجيل أولى حالات الإصابة تستحق تسجيل تفاصيلها بدقة لأنها تعلمنا عدة دروس مهمة، أهمها أن العلم ليس له سقف وأنه يمتلك جسارة على طرح الأسئلة والقفز على الحواجز والقدرة على الحلم بلا حدود والتحليق بالأسماء، ثانياً العلم ليس له علاقة بسلوك المريض ولن يتحول إلى واعظ وعليه أن يبحث بغض النظر عن الموقف الأخلاقى الذى يتخذه العامة من المريض، أخطر الدروس التى لا بد أن تتعلمها الدول الفقيرة التى نحن منها بلا فخر، أن ماحك جلدك مثل ظفرك وأن انتظار الغرب -الذى نشتمه ليل نهار ونحلم بتفجيره ونتناسل كراهية لمؤامراته المزعومة- لكى يخترع لنا أدوية لمشاكلنا الصحية الخاصة المحلية هو انتظار«جودو» الذى لايأتى، على سبيل المثال فيروس سى، النوع الرابع الذى يدمر أكباد المصريين ويفترسهم دوناً عن باقى العالم، لماذا تهتم به أمريكا وتمنحه الأولوية على أمراضها المؤرقة مثل الإيدز؟ من الممكن أن تضعه فى ذيل قائمة اهتماماتها حتى يأتى الدور عليه، ولكن تتجه الأبحاث والأموال إلى نوع فيروس الكبد الأمريكى وأيضاً إلى مرض الإيدز الذى لايهمنا نحن ولكنه بالنسبة لأمريكا صداع مزمن ويأتى النجاح تلو النجاح إلى أن يأتى اليوم الذى تشفى فيه هذه الطفلة الأمريكية، ونظل نحن نلعن الأمريكان ونقول يصرفون المليارات على الإيدز ومش سائلين عننا: هل الإيدز يستحق كل هذه المليارات؟!، من وجهة نظرهم يستحق وهذا يكفى، نعم يستحق وهم أحرار فى تحديد أولوياتهم ونحن أيضاً أحرار فى تحديد أولوياتنا من فتاوى العلاج ببول الإبل والحجامة وأكل لحم الجن!، إلى أن نتحول إلى جبلاية ضخمة باتساع الوطن حولها سور يحج السياح إليها للفرجة على هذه الشعوب المنقرضة!، شفاء هذه الطفلة ليس أول المعجزات الطبية فى سيناريو الحرب ضد الإيدز، فقد سبقه شفاء بالغين، ففى عام 2007 تم شفاء تيموثى راى براون عبر مراوغة جهاز المناعة وتثبيطه، ثم زرع خلايا جذعية بها طفرة مقاومة للإيدز، ولكن هذه الطفلة عولجت بكوكتيل من الأدوية الحديثة المضادة لمرض نقص المناعة المكتسب فى جامعة «مسيسيبى»، رحلة طويلة بدأت بتخبط العلماء الذين دفعهم غموض المرض وجهلهم لتسميته 4H حسب ما تخيلوا أنه يصيبهم فقط وهم: Haitians (سكان هايتى) وHomosexuals (المثليون جنسياً) وHemophiliacs (الأشخاص الذين يعانون من الهيموفيليا) وHeroin users (مدمنو الهيروين)، ورويداً رويداً وبالإصرار والفضول والقلق العلمى الإيجابى توصلوا الآن إلى نهاية النفق وأشعلوا الشمعة وانتصروا على هذا المرض الفتاك.